فصل: الصحابة أعلم الناس وأفضلهم علماء الأمة تلاميذهم من أعلام الصحابة والأئمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.الصحابة أعلم الناس وأفضلهم علماء الأمة تلاميذهم من أعلام الصحابة والأئمة:

وكيف يدعى في أصحاب نبينا أنهم عوام وهذه العلوم النافعة المبثوثة في الأمة على كثرتها واتساعها وتفنن ضروبها إنما هي عنهم مأخوذة ومن كلامهم وفتاويهم مستنبطة، وهذا عبد الله بن عباس كان من صبيانهم وفتيانهم وقد طبق الأرض علما وبلغت فتاويه نحو من ثلاثين سفرا، وكان بحرا لا ينزف لو نزل به أهل الأرض لأوسعهم علما، وكان إذا أخذ في الحلال والحرام والفرائض يقول القائل لا يحسن سواهن فإذا أخد في تفسير القرآن ومعانيه يقول السامع لا يحسن سواه، فإذا أخذ في السنة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول القائل لا يحسن سواه، فإذا أخذ في القصص وأخبار الأمم وسير الماضين فكذلك، فإذا أخذ في أنسبا العرب وقبائلها وأصولها وفروعها فكذلك فإذا أخذ في الشعر والغريب فكذلك. قال مجاهد: العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة في قوله تعالى: {وَيَرى الَّذَينَ أُوتوا العِلمَ الَّذي أُنزِلَ إِليكَ مِن رَبِكَ هُو الحَق} قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولما حضر معاذ الموت قيل له: أوصنا، قال: أجلسوني، إن العلم والإيمان بمكانهما من اقتفاهما وجدهما عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» وقال أبو إسحاق السبيعي قال عبد الله: علماء الأرض ثلاثة؛ فرجل بالشام، وآخر بالكوفة، وآخر بالمدينة فأما هذان فيسألان الذي بالمدينة، والذي المدينة لا يسألهما عن شيء. وقيل لعلي ابن أبي طالب: حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عن أيهم؟ قالوا عن عبد الله بن مسعود قال: قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى بذلك، قالوا: فحدثنا عن حذيفة: قال أعلم أصحاب محمد بالمنافقين، قالوا: فأبو ذر؟ قال كُنَيْف ملئ علما عجن فيه، قالوا فعمار؟ قال: مؤمن نسي إذا ذكرته ذكر خلط الله الإيمان بلحمه ودمه ليس للنار فيه نصيب، قالوا فأبو موسى؟ قال صبغ في العلم صبغة، قالوا فسلمان؟ قال: العلم الأول والآخر بحر لا ينزح، هو من أهل البيت، قالوا فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين؟ قال إياها أردتم، كنت إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت ابتديت. وقال مسروق: شافهت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة إلى علي وعبد الله وعمر وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي بن كعب، ثم شافهت الستة فوجدت علمهم ينتهي إلى علي وعبد الله. وقال مسروق: جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا كالأخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبد الله من تلك الأخاذ؛ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أتين بقدح لبن فشربت منه حتى أرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله قال: العلم وقال عبد الله: إني لأحسب أن عمر بن الخطاب قد ذهب بتسعة أعشار العلم. وقال عبد الله: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر. وقال حذيفة بن اليمان: كأن علم الناس مع علم عمر دس في حجر. وقال الشعبي: قضاة هذه الأمة أربعة عمر وعلي وزيد وأبو موسى. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت رجلا قط أعلم بالله ولا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله من عمر. وقال علي: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء، فقلت إنك ترسلني إلى قوم يكون فيهم الأحداث وليس لي علم بالقضاء، قال فضرب في صدري وقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعده. وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: كنت أرعى غنما لعقبة ابن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال لي: يا غلام هل من لبن؟ فقلت: نعم ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ قال فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: أقلص فقلص، قال ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: يرحمك الله إنك عليم معلم وقال عقبة بن عامر: ما أرى أحدا أعلم بما أنزل على محمد من عبد الله، فقال أبو موسى: إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حين لا ندخل. وقال مسروق: قال: عبد الله ما أنزلت سورة إلا وأنا أعلم فيما أنزلت، ولو إني أعلم أن رجلا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل والمطايا لأتيته. وقال عبد الله بن بريدة في قوله عز وجل: {حَتى إِذا خَرَجوا مِن عِندَكَ قالوا لِلذَينَ أُوتوا العِلمَ ماذا قالَ آَنِفاً} قال: هو عبد الله بن مسعود. وقيل لمسروق: كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض. وقال أبو موسى: ما أشك علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. وقال شهر بن حوشب: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له، وقال على بن أبي طالب: أبو ذر وعاء ملئ علما، ثم وكي عليه فلم يخرج منه شيء حتى قبض. وقال مسروق: قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم، ولما بلغ أبا الدرداء موت عبد الله بن مسعود قال: أما إنه لم يخلف بعده مثله. وقال أبو الدرداء: إن من الناس من أوتي علما ولم يؤت حلما، وشداد بن أوس ممن أوتي علما وحلما، ولما مات زيد بن ثابت قام ابن عباس على قبره وقال: هكذا يذهب العلم. وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وقال محمد بن الحنيفية لما مات ابن عباس: لقد مات رباني هذه الأمة. وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا ولا أثقب نظرا حين ينظر من ابن عباس. وكان عمر بن الخطاب يقول له: قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها، ثم يقول عبيد الله، وعمر عمر في جده وحسن نظره للمسلمين. وقال عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا قد أكرم من مجلس ابن عباس: أكثر فقها وأعظم جفنة، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر، يصدرهم كلهم في واد واسع، وكان عمر بن الخطاب يسأله مع الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيده علما وفقها. وقال عبد الله بن مسعود: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عشره منا رجل: أي ما بلغ عشره. وقال ابن عباس: ما سألت أحد مسألة إلا عرفت أنه فقيه أو غير فقيه، وقيل له أني أصبت هذا العلم؟ قال سؤول، وقلب عقول، وكان يسمى البحر من كثرة علمه. وقال طاوس: نحو خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر لهم ابن عباس شيئا فخالفوه ولم يزل بهم حتى يقررهم. وقال الأعمش: كان ابن عباس إذا رأيته قلت: أجمل الناس فإذا تكلم قلت: أفصح الناس، فإذا حدث قلت: أعلم الناس. وقال مجاهد: كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه النور. وقال ابن سيرين: كانوا يرون أن الرجل الواحد يعلم من العلم ما لا يعلمه الناس أجمعون. قال ابن عون: فكأنه رآني أنكرت ذلك قال فقال: أليس أبو بكر كان يعلم ما لا يعلم الناس، ثم كان عمر يعلم ما لا يعلم الناس؟! وقال عبد الله بن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفة وعلم عمر في كفة لرجح بهم علم عمر، قال الأعمش فذكروا ذلك لإبراهيم فقال: عبد الله إن كنا لنحسبه قد ذهب بتسعة أعشار العلم. وقال سعيد بن المسيب: ما أعلم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب، وقال الشعبي: قضاة الناس أربعة عمر وعليّ وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري. وكانت عائشة رضي الله عنها مقدمة في العلم بالفرائض والسنن والأحكام والحلال والحرام والتفسير. قال عروة بن الزبير: ما جالست أحدا قط أعلم بقضاء ولا بحديث الجاهلية ولا أروي للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة. وقال عطاء: كانت عائشة أعلم الناس وأفقه الناس. وقال البخاري في تاريخه: روي العلم عن أبي هريرة ثمانمائة رجل ما بين صاحب وتابع. وقال عبد الله ابن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلوا وزراءه. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {قُل الحمد لله وَسلامٌ علَى عِبادِهِ الَّذَين اِصطفى} قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد، أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لإقامته دينه وصحبة نبيه فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وقد أثنى الله سبحانه عليهم بما لم يثنه على أمة من الأمم سواهم فقال تعالى: {وَكذَلِكَ جَعَلناكُم أُمَةً وَسَطاً}أي عدولا خيارا: {لِتَكونوا شُهَداءَ عَلى الناسِ وَيَكونَ الرَسولُ عَلَيكُم شَهيداً} وقال تعالى: {كُنتُم خَيرَ أُمَةٍ أُخرِجَت لِِلناسِ تَأمُرونَ بِِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عنِ المُنكَر وَتُؤمِنونَ باللَه} وقال: {مُحَمَدٌ رَسولُ اللَهِ وَالَّذًينَ مَعَهُ أَشِداءُ عَلى الكُفارِ رُحماءُ بَينَهُم تَراهُم رُكعاً سُجَداً يَبتَغونَ فَضلاً مِنَ اللَهِ وَرِضواناً سيماهُم في وُجوهِهِم مِن أَثرِ السُجود ذَلِكَ مَثُلُهُم في التَوراةِ وَمَثُلُهُم في الإِنجيل كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآَزَرَهُ فاستَغلَظَ فاستَوى عَلى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُراعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفار وَعَدَ اللَهُ الَّذَينَ آَمَنوا وَعَمِلوا الصالِحات مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجراً عَظيما} وقال تعالى: {يا أَيُها الَّذَينَ آَمَنوا اِتقوا اللَهَ وَكونوا مَعَ الصادِقين} وهم محمد وأصحابه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل» وقال تعالى: {وَالسابِقون الأَولون مِنَ المُهاجرينَ والأَنصار وَالَّذَينَ اِتَبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضيُ اللَهُ عَنهُم وَرَضوا عَنه وَأَعدَ لَهُم جَناتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهار خالِدينَ فيها أَبداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظيم} وقال مالك عن نافع: كان ابن عباس وابن عمر يجلسان للناس عند قدوم الحاج وكنت أجلس إلى هذا يوما وإلى هذا يوما، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما يسأل عنه وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي. قال مالك: وسمعت أن معاذ بن جبل يكون أمام العلماء برتوة يعني يكون أمامهم يوم القيامة برمية حجر. وقال مالك: أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك وكان من أئمة الدين، وقال عمر لجرير: يرحمك الله إن كنت لسيدا في الجاهلية فقيها في الإسلام، وقال محمد بن المنكدر: ما قدم البصرة أحد أفضل من عمران بن حصين. وكان لجابر بن عبد الله حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ عنه العلم.
والعلم إنما انتشر في الآفاق عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين فتحوا البلاد بالجهاد، والقلوب بالعلم والقرآن، فملئوا الدنيا خيرا وعلما، والناس اليوم في بقايا آثار علمهم. قال الشافعي في رسالته وقد ذكر الصحابة فعظمهم وأثنى عليهم ثم قال: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر أستدرك به علم، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا، ومن أدركنا ممن نرضى أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة إلى قولهم ان اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا، وكذلك نقول ولم نخرج من أقاويلهم كلهم. وقال الشافعي: وقد أثنى الله على الصحابة في التوراة والإنجيل والقرآن وسبق لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم. وقال أبو حنيفة: إذ جاء عن النبي صلى الله عليه وسلمن من الفضل ما ليس لأحد بعدهم. وقال أبو حنيفة: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم ولم نخرج عنه وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لما دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال ما كان أصحاب عيسى بن مريم الذين وصلبوا على الخشب بأشد اجتهادا من هؤلاء. وقد شهد لهم الصادق المهدي الذي لا ينطق عن الهوى بأنهم خير القرون على الإطلاق، كما شهد لهم ربهم تبارك وتعالى بأنهم خير الأمم على الإطلاق وعلماؤهم وتلاميذهم وهلم جرا، وهؤلاء الأئمة الأربعة الذين طبق علمهم الأرض شرقا وغربا هم تلاميذ تلاميذهم، وخيار ما كان عن الصحابة، وخيار الفقه ما كان عنهم، وأصح التفسير ما أخذ عنهم. وأما كلامهم في باب معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وقضائه وقدره ففي أعلى المراتب، فمن وقف عليه وعرف ما قالته الأنبياء عرف أنه مشتق منه مترجم عنه، وكل علم نافع في الأمة فهو مستنبط من كلامهم ومأخوذ عنهم، وهؤلاء تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم قد طبقت تصانيفهم وفتاويهم الأرض، فهذا مالك جمعت فتاويه في عدة أسفار، وكذلك أبو حنيفة، وهذه تصانيف الشافعي تقارب المائة، وهذا الإمام أحمد بلغت فتاويه وتآليفه نحو مائة سفر، وفتاويه عندنا في نحو عشرين سفرا، وغالب تصانيفه بل كلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، وهذا علامتهم المتأخر شيخ الإسلام ابن تيمية جمع بعض أصحابه فتاواه في ثلاثين مجلدا ورأيتها في الديار المصرية، وهذه تآليف أئمة الإسلام التي لا يحصيه إلا الله، وكلهم من أولهم إلى آخرهم يقر للصحابة بالعلم والفضل، ويعترف بأن علمه بالنسبة إلى علومهم كعلومهم بالنسبة إلى علم نبيهم.
وفي الثقفيات حدثنا قتيبة بن سعيد، عن سعيد بن عبد الرحمن المعافري، عن أبيه، أن كعبا رأى حبر اليهود يبكي، فقال له ما يبكيك؟ قال: ذكرت بعض الأمر، فقال كعب: أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني؟ قال نعم، قال أنشدك الله: هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: رب أني أجد خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلون الأعور الدجال فاجعلهم أمتي قال هم أمة أحمد يا موسى؟ قال: الحبر نعم، قال كعب: فأنشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: يا رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون إذا أرادوا أمرا قالوا: نفعله إن شاء الله فاجعلهم أمتي، قال هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر نعم، فقال كعب فأنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: يا رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله وإذا هبط حمد الله؛ الصعيد طهورهم والأرض لهم مسجد حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم والأرض لهم مسجد حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء، غرا محجلين من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي، قال هم أمة أحمد يا موسى؟ فال الحبر نعم، قال كعب: فأنشدك الله أتجد في كتاب الله أن موسى نظر في التوراة فقال: يا رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء أورثتهم الكتاب فاصطفيتهم لنفسك فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد أحدا منهم إلا مرحوما فاجعلهم أمتي قال: هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر: نعم، قال كعب: أنشدك الله أتجد في كتاب الله أن موسى نظر في التوراة فقال: يا رب إني أجد أمة مصاحفهم في صدورهم، يصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة، أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل، لا يدخل النار منهم أحد إلا من بريء من الحسنات مثل ما بريء الحجر من ورق الشجر. قال موسى: فاجعلهم أمتي قال: هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر: نعم، فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى الله محمدا وأمته قال ليتني من أصحاب محمد، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن {يا موسى إِنّي اِصطَفَيتُكَ عَلى النّاس} الآية. {وَمِن قَومِ موسى أُمَةٌ يَهدونَ بالحَق وَبِهِ يَعدِلون}. {وَكَتَبنا لَهُ في الأَلواح} الآية، قال فرضي موسى كل الرضا.. وهذه الفصول بعضها في التوراة التي بأيديهم وبعضها في نبوة أشعيا، وبعضها في نبوة غيره والتوراة أعم من التوراة المعينة، وقد كان الله سبحانه كتب لموسى في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فلما كسرها رفع منها الكثير وبقي خير كثير، فلا يقدح في هذا النقل جهل أكثر أهل الكتاب به فلا يزال في العلم الموروث عن الأنبياء شيء لا يعرفه إلا الآحاد من الناس أو الواحد وهذه الأمة على قرب عهدها بنبيها، في العلم الموروث عنه ما لا يعرفه إلا الأفراد القليلون جدا من أمته وسائر الناس منكر له وجاهل به.
وسمع كعب رجلا يقول: رأيت في المنام كأن الناس جمعوا للحساب فدعي الأنبياء فجاء مع كل نبي أمته ورأيت لكل نبي نورين ولكل من ابتعه نورا يمشي بين يديه، فدعي محمد صلى الله عليه وسلم فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نور، ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما، فقال كعب: من حدثك بهذا؟ قال: رؤيا رأيتها في منامي، قال: أنت رأيت هذا في منامك؟ قال: نعم، قال والذي نفسي بيده إنها لصفة محمد وأمته وصفة الأنبياء وأممهم لكأنما قرأتها من كتاب الله. وفي بعض الكتب القديمة أن عيسى بن مريم صلوات الله وسلامه عليه قيل له: يا روح الله هل بعد هذه الأمة أمة؟ قال: نعم، قيل: وأية أمة؟ قال: أمة أحمدن قيل: يا روح الله وما أمة أحمد؟ قال: علماء حكماء أبرار أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء، يرضون من الله باليسير من الرزق، ويرضى الله منهم باليسير من العمل يدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله. وقال كعب: علماء هذه الأمة كأنبياء بني... حديث مرفوع لا أعرف حاله.